صدر بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (٩٢)
أولا
مفهوم الحوكمة والهدف من هذا الدليل
لغرض هذا الدليل، يقصد بالحوكمة الترتيبات (سواء الرسمية أو غير الرسمية) التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتنفيذها، بما يوفر التوجه الاستراتيجي للجهة، ويضمن تحقيق أهدافها، وإدارة مخاطرها، واستخدام مواردها بشكل مسؤول يهدف إلى الحفاظ على قيم الدولة عند مواجهة التحديات والتغيرات.
يهدف هذا الدليل الاسترشادي إلى تعزيز وإبراز مفهوم الحوكمة في جميع الجهات العامة وتوحيدها وتعزيز تطبيق أبرز مبادئها وممارستها بما يتوافق مع مهماتها واختصاصاتها وطبيعة عملها، وبما ينسجم مع الأنظمة والسياسات العامة للدولة التي تستهدف رفع كفاءة الإنفاق العام، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد، والحد من الهدر المالي للميزانية العامة للدولة.
وترتكز أهمية الحوكمة على الإفصاح والشفافية والنزاهة والعدالة والمساءلة والاستدامة؛ للحد من استغلال السلطة لأغراض خاصة، وذلك عن طريق إخضاع نشاط القطاع لمجموعة من التشريعات والسياسات التي تهدف إلى ضبط ومراقبة أعماله، لحماية أصوله وتحقيق الجودة والتميز في الأداء من ناحية، والالتزام بمعايير الإفصاح والشفافية من ناحية أخرى، وكذلك تحقيق مستوى من الكفاءة والتعاون لدى الأفراد والمؤسسات لإيجاد بيئة اجتماعية داعمة ومحفزة على التطور والنمو والإبداع.
ثانيا
التعريفات
يقصد بالألفاظ والعبارات التالية المعاني المبينة أمام كل منها ما لم يقتض السياق غير ذلك:
– الجهات العامة: أي وزارة أو جهاز حكومي أو هيئة أو مصلحة أو مؤسسة عامة أو صندوق وما في حكمها، وأي جهاز مستقل ذي شخصية معنوية عامة.
– أصحاب المصلحة: كل شخص طبيعي أو اعتباري يمكنه التأثير في عمل الجهات العامة أو تربطه بها مصلحة أو علاقة مباشرة أو غير مباشرة. ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- الموظفون والمستفيدون والمتعاملون والموردون.
– نظام الرقابة الداخلية: السياسات والعمليات والقواعد التي تتبعها الجهة العامة لضمان تحقيق فاعلية وكفاءة أعمالها، وسلامة تقاريرها المالية، بما يتماشى مع الأنظمة واللوائح ذات الصلة.
– الهيكل التنظيمي: رسم تنظيمي يوضح شكل الجهة، متضمنا إداراتها وأقسامها الداخلية وارتباطاتها ببعضها، ومهامها ومسؤولياتها.
– السياسات والإجراءات: القواعد المشتملة على الآليات العملية لإنجاز المهمات سواء لعموم الجهة أو لإدارات أو موضوعات محددة.
– مصفوفة الصلاحيات: وثيقة أو جدول يتضمن تحديد صلاحيات جميع المسؤولين بالجهات العامة وحدود التفويض ونوعه ومدته.
– الإدارة الإشرافية: السلطة المهيمنة على شؤون أي من الجهات العامة والمختصة بإدارة وتصريف أمورها ووضع استراتيجيتها، سواء كانت مجلس إدارة أو لجنة إشرافية أو وزيرا أو محافظا أو من في حكمهم.
– المسؤول التنفيذي: من يمنح صلاحية إدارة شؤون أي من الأجهزة العامة وتسيير أعمالها بصفة يومية.
– الإدارة التنفيذية: الأشخاص المنوط بهم إدارة عمليات الجهة العامة اليومية، واقتراح القرارات الاستراتيجية وتنفيذها.
– تعارض المصالح: تعارض مصلحة خاصة مع مصلحة الجهة الحكومية بحيث تؤثر المصلحة الخاصة في قدرة الشخص على أداء واجباته ومسؤولياته الوظيفية والمهنية بموضوعية ونزاهة وحياد، سواء أكان التعارض فعليا أو ظاهريا أو محتملا.
ثالثا
مبادئ الحوكمة
لتطبيق نظام حوكمة فعال، تقوم هذه المبادئ على تعزيز مفهوم الحوكمة الرشيدة في الجهات العامة، والتحفيز على تطبيقها حسب أفضل الممارسات والمعايير الدولية، وتتمثل هذه المبادئ فيما يلي:
– سيادة النظام: تأدية الجهات لأعمالها وفق الأنظمة والتعليمات، واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تمنع وقوع التعسف أو سوء استخدام السلطة من قبل أصحاب الصلاحية، وتوثيق القرارات والسياسات الداخلية.
– النزاهة والقواعد الأخلاقية: ضمان التزام منسوبي الجهات العامة بأخلاقيات العمل وقيم النزاهة والأمانة وقيم تعزز سلوك الأمانة والنزاهة، واتخاذ القرارات والإجراءات بالطريقة التي تحقق المصلحة العامة، مع وجود سياسات وإجراءات تكفل اتخاذ اللازم عند وجود حالة عدم التزام.
– الرقابة والمساءلة: ضمان قدرة الجهة العامة على تطبيق مختلف أشكال الرقابة والرصد والمتابعة على أعمال منسوبيها، وخضوع الجهة العامة للرقابة الداخلية حسب نظام الرقابة الداخلية، وللمساءلة الخارجية من قبل الجهات الرقابية المختصة.
– الإفصاح والشفافية: تعزيز شفافية الجهة العامة المتعلقة بسياساتها وقراراتها وإجراءاتها وخططها الاستراتيجية واستخدامها للموارد، مع وجود آلية واضحة لتصنيف المعلومات السرية، والإفصاح عن المعلومات العامة، وإيجاد قنوات تواصل فعالة مع أصحاب المصلحة من أجل تعزيز ثقتهم.
– حقوق الأطراف ذوي العلاقة: وجود سياسات وممارسات لدى الجهة العامة تضمن احترام حقوق الأطراف ذات العلاقة بأعمالها، من منسوبيها وأصحاب المصلحة، مع قيام الجهة العامة بتقييم مدى الامتثال والتقيد بتلك السياسات وضمان توافقها مع الأنظمة ذات العلاقة.
– الكفاءة وفاعلية الأداء: ضمان الاستخدام الأمثل للموارد المالية والبشرية المتاحة للجهة لتنفيذ مهماتها على الوجه المطلوب، والتأكد من أن البرامج والمشاريع تحقق الأهداف المرجوة بما يتوافق مع استراتيجيتها، ويحقق مبدأ الكفاءة وفاعلية الأداء، وذلك من خلال التخطيط السليم ووضع استراتيجية وأهداف قابلة للتحقيق والقياس، وإيجاد مؤشرات قياس الأداء للمتابعة وتقييم العمل.
– القيادة: وضع استراتيجيات مستدامة ورسم السياسات والتوقعات -من قبل الإدارة الإشرافية- بما يحقق المصلحة العامة ويتواءم مع السياسات العامة في الجهة العامة والدولة، ويعزز مبادئ الحوكمة الرشيدة، والعمل على الفصل بين المسؤوليات من خلال وجود مهام عمل واضحة لكل من الإدارة الإشرافية والمسؤول التنفيذي والمنسوبين، واختيار أصحاب الكفاءة والنزاهة والمصداقية والخبرة بما يضمن استقلاليتهم في أداء مهماتهم، دون التأثير في قراراتهم، وإيجاد آلية واضحة وشفافة لتعيين القيادات وتقييمهم.
– الاستدامة: وضع استراتيجية وأهداف تضمن استدامة الجهة وعملها، وتعزز قدرتها على التأثير إيجابيا في البيئة والمجتمع والتنمية الاقتصادية، وتكفل بقاءها بشكل دائم، وذلك من خلال وضع سياسات ومعايير تتواءم مع السياسات الوطنية للاستدامة، ومتابعة تطبيقها ورفع التقارير بذلك.
رابعا
أهمية الحوكمة في الجهات العامة
تؤدي الحوكمة في الجهات العامة دورا مهما ومحوريا في تعزيز أداء الجهة وتحقيقها لأهدافها التي أنشئت من أجلها، إذ إن التحديد الدقيق لأدوار وصلاحيات الإدارة الإشرافية والمسؤول التنفيذي والإدارة التنفيذية ومنسوبي الجهة والعناية في اختيارهم، مع وجود معايير مهنية لتقييم أدائهم وأداء الجهة ومخرجاتها، يعد عنصرا مهما نحو نجاح الجهة في أدائها لمهماتها وتحقيقها لأهدافها العامة. إضافة إلى أن إقرار مبدأ الشفافية في العمل يعزز من أداء الجهة العامة ويدعم كفاءتها وفاعليتها.
ومن هذا المفهوم، يتضح أن دور الحوكمة هو تحقيق المواءمة بين واجبات وحقوق الجهة العامة وحقوق المستفيدين وأصحاب المصلحة، وضمان تحقيق استراتيجيات وأهداف الجهة بشكل خاص، والخطط الاستراتيجية للدولة بشكل عام.
خامسا
أبرز أهداف الحوكمة في الجهات العامة
– تعزيز قدرة الجهات العامة على أداء مهماتها، وتحقيق أهدافها، بما يتواءم مع السياسات العامة ويحقق الأهداف الوطنية.
– تعزيز ثقة المتعاملين مع الجهة العامة، وحماية حقوقهم.
– تعزيز الرقابة وتفعيلها، وسن الضوابط والأنظمة الداخلية للجهة.
– ضمان الإفصاح والشفافية والعدالة والمساءلة والالتزام.
– تعزيز مبدأ الاستدامة في أعمال الجهة بما يحقق الأهداف الوطنية.
– تعزيز كفاءة وفاعلية أداء الإدارة الإشرافية في الجهة.
– وضع معايير مهنية لتقييم أداء الجهة ومخرجاتها.
– تحديد أدوار وصلاحيات الإدارة الإشرافية والإدارة التنفيذية، تحديدا دقيقا يكفل الفصل بين المهمات والصلاحيات والمسؤوليات.
سادسا
مسؤولية تطبيق الحوكمة في الجهة العامة
تتطلب الحوكمة التركيز على العناصر التنظيمية التي تقود الجهة إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وذلك بتصميم هياكل تنظيمية وأطر تشغيلية متكاملة تكون مرنة ومرتبطة بأهداف الجهة والسياسات العامة للدولة.
ويأتي هذا الدليل الاسترشادي خطوة أولى لتحقيق الحوكمة الرشيدة في الجهات العامة، مما يستلزم معه إتاحة الفرصة للجهات العامة لتعزيز ثقافة الحوكمة السليمة، والتصحيح التدريجي، بما في ذلك توضيح الصلاحيات والفصل بين السلطات ووضع معايير أولية للأداء، وضمان كفاءة أنظمة الرقابة الداخلية وتقييم الأداء، فضلا عن وضع جدول زمني يوضح مراحل التصحيح وتطبيق الحوكمة في الجهات العامة؛ إذ إن جميع ذلك يعد محققا لتحسين مخرجات الجهة ورفع كفاءة أدائها، مما ينعكس على الأداء الكلي للاقتصاد الوطني.
وعليه، فإن مسؤولية تطبيق هذه الحوكمة العامة تناط بالإدارة الإشرافية ابتداء ثم بالمسؤول التنفيذي والإدارة التنفيذية ثم بمنسوبي وموظفي الجهة العامة. ولتطبيق ذلك، فإن على الجهة تحديد الوحدة أو الإدارة التنظيمية المعنية بتطبيق ما ورد في هذا الدليل من خلال الممارسات والإجراءات المتبعة في الجهة العامة، مع أهمية ارتباطها مباشرة بالإدارة الإشرافية أو المسؤول التنفيذي في الجهة أو من يفوض بناء على مصفوفة الصلاحيات في الجهة العامة، حيث تعنى هذه (الوحدة أو الإدارة التنظيمية) بتقييم الوضع الراهن لحوكمة الجهة وتحديد ما تحتاج إليه من أدوات لتطبيقها بشكل واضح ومكتوب، وأن تشتمل تلك الأدوات، على سبيل المثال، على الضوابط والإجراءات ونماذج العمل التي تؤكد على تطبيق الحوكمة في الجهة العامة، مع استمرار التقييم بشكل دوري ومنتظم، ووضع مؤشرات لقياس الأداء، وإعداد تقرير مفصل عن نتائج التقييم والمعوقات التي تواجه الجهة وسبل حلها؛ والرفع بذلك إلى الإدارة الإشرافية أو المسؤول التنفيذي بحسب الحال، وذلك لتعزيز ثقافة الحوكمة السليمة، والتصحيح التدريجي، الذي من شأنه تحسين مخرجات الجهة العامة ورفع كفاءة أدائها، الأمر الذي ينعكس مباشرة على الأداء الكلي للدولة.
نشر في عدد جريدة أم القرى رقم (٥٠٤٢) الصادر في ٩ من أغسطس ٢٠٢٤م.